أمير قانصوه
بعيداً عن لغة الأرقام، وبعيداً عمن فاز بأكثرية المقاعد النيابية ومن لم يفز، وبعيداً أيضاً عن قانون الانتخابات ومدى تأثيره في النتيجة، فإن محاكمة هذه الانتخابات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار السنوات الأربع المقبلة وما فيها من متوجبات على كل اللبنانيين، من الأغلبية أو المعارضة، ومن كل الفئات الأخرى التي تصنف نفسها غالباً في الوسط أو على الحياد.
ان مسؤولية بناء البلد لا يمكن أن تحصر بأكثرية نيابية حازت النصف زائدا واحدا، بينما يقف الآخرون من المعارضة أو غيرها في موقع "المتفرج"، يصفق للحسنات وينوح على السيئات، وليس بيده أي قدرة على التعبير أو التغيير، أو أي حق يجعل موقفه يخترق حواجز العناد التي يتصف بها الكثير ممن حازوا بالأمس الأغلبية. كما أن بعض أفرقاء المعارضة ليسوا بعيدين عن هذه الصفة.
وإذا كانت الديمقراطية العددية التي يتغنى بها الكثيرون اليوم تتيح القيام بمثل هذا الأمر، فإنها نموذج قد لا يصلح في بلد كلبنان أساس بنية دولته قائم على التوافق، وجوهر التوافق هو الشراكة في الحكم وتحمل المسؤولية معا.
والتوافق الذي يراه البعض غير ملزم قد يصبح ضرورة حين تسفر الانتخابات عن نتائج متقاربة بين فريقين، وحين ترجّح بضعة مقاعد نيابية لا تتعدى العشرة في المئة من إجمالي عدد أعضاء المجلس النيابي، الكفة لفريق على آخر، فإن مسؤولية فريق ما يسمى الأكثرية أن يأخذ بيد ما يسميه الأقلية الى التكاتف الذي هو البوابة المثالية لقيام الدولة القادرة، وليس الى التنافر الذي يفتح على البلد بوابات الفتنة والوصاية والتدخلات الخارجية غير المحمودة. فأي دولة عندها سيثق بها المواطن؟ أقله ذلك الذي كان معترضاً على أدائها في مختلف الملفات طيلة سنوات حكم الأكثرية.
ان تجربة العام الماضي منذ اتفاق الدوحة حتى اليوم مع كل الشوائب التي اعترتها، جديرة بالاهتمام وجديرة باستنساخها، فقد أراحت البلد وأرخت جواً من الثقة لدى اللبنانيين بإمكانية قيام الدولة. وهذه التجربة التي كان عمادها الثلث الضامن بيد المعارضة، هي الدولة التي تصلح حالياً لحكم البلد، وهي التي يمكن أن تحوز ثقة الناخبين من الفريقين مجتمعين. فيصح عندها تسمية هذا الثلث بالثلث الموحّد، وهو وحده يجعل الناس يتركون حساب الجمع والطرح لمن حاز أصواتا أكثر، ولمن استقدم مغتربين أكثر، ومن دفع المال والرشى.
المطلوب اليوم من الذين لم تسعفهم كل عنجهيتهم وكل ما زرعوه من بذور الشقاق بين أبناء البلد الواحد، وعلى الرغم من اجتماع الداخل والخارج من حولهم، في الوصول الى عتبة البرلمان، أن يلوذوا بالصمت، لأن الناس يريدون بلداً هادئاً ووادعاً وآمناً ونامياً، وليس نواباً من طراز فارس سعيد!
الانتقاد/ العدد 1350 ـ 12 حزيران/ يونيو 2009
2009/06/15
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق