بومدين الساحلي
بين قبضة المحراث القابعة تحت زند الفلاح «عبد الساتر المسمار» والسكة التي تنغرس في الارض راسمة فيها أثلام البسمة والخير، كان الابن بجسمه الضئيل يلتف على الزند الخشبي أثناء الحراثة فينجح مرة في البقاء لهنيهات ويقع مرات بفعل حركة المحراث العنيفة من جراء اصطدامه بحجر هنا وهناك، لكنه في كل مرة كان ينهض على وقع ضحكة أبيه مسرعا لاستكمال عشقه في العلاقة مع الارض. مرت الايام وكبر الفتى وصار زنده كافيا لتوجيه المحراث وغرسه عميقا، لكنه انتبه - بالرغم من أنه لم ينل قسطه من العلم - أن ثمة من يحاول سرقة الارض التي يحب، فأهمل حراثتها ومضى الى حراستها منذ عقدين من الزمن، تشهد على ذلك ارض الجنوب والبقاع الغربي التي خبرته مقاتلا فذا جسورا قائدا، والدماء الطاهرة التي سقى بها ست مرات تلك الارض الطيبة وقفل عائدا رغما عن أنف اسرائيل وآلة دمارها.
ما عجزت عنه اسرائيل عشرات المرات قدر عليه بالأمس قدر ظالم قضى على «علي» إثر حادث سيارة مؤسف، ومشينا خلف نعشه نتذكر صاحب الخصلات الشقراء التي غزاها الشيب حين كان يوزع علينا في كل مرة يعود فيها المغانم الاسرائيلية التي حملها معه من ثياب وعدة، ونتذكر من لم يتطلع يوما الى المغانم التي هبطت بفعل المكاسب الوزارية والنيابية والبلدية والاجتماعية التي لهث كثيرون وراء فضتها وفتاتها بينما بقي هو قابضا على ذهب مقاومته، وانتبهنا ان الدولة اللبنانية لم تتذكر «علي» في حياته وفي مماته حيث لم نلمح على نعشه إلا الاوسمة الست التي علقتها على صدره الهمجية الاسرائيلية، وانتبهنا أن الارض عادت الى عادتها في البسمة: رجع الحارس الى عهده في الحراثة، ارتاح المحراث في الارض التي يحب.
العاصي - بفضلك وفضل الكثير أمثالك من الخافتين في العيش – يمضي الى عادته في الشمال وقد اطمأن على أحوال إخوته في الجنوب.
جريدة السفير २३/१/2010
















ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق