كتب أمير قانصوه
ما غفت عينا مروى تلك الليلة وهي تتأمل ملابسها التي حضّرتها لها أمها للعيد الآتي، كانت تلك الفتاة ترغب أن تضعها تحت وسادتها لعل العيد يأتي وقد ارتدتها كأميرة صغيرة كما في الحكايات والأساطير التي تشاهدها في الرسوم المتحركة أو تقرأها في القصص..
لكن قبل أن يأتي العيد وقبل أن تصحو مروى على أقاربها يشيلونها بين أذرعهم، فتفيض عليها العيدية.. جاءتها رصاصة لتقضي على الحلم وتقتل اليتيمة.. وحتى الإفطار ذلك اليوم الرمضاني حرمت منه الفتاة الصائمة ابنة الاثني عشر ربيعا.
كان القاتلان يبحثان عن غريمهما وقد أشبعا حقداً وكراهية، جاءا من البعيد ليشفيا غليلهما، فكانت مروى الترشيشي العائدة من مدرستها ضحية ذلك الحقد الأعمى والعادات القبيحة المتوارثة.
ومروى هي ليست الأولى التي تسقط ضحية بريئة لعادة الثأر التي تنكرها الأديان والأخلاق والقوانين، ولكنها الضحية الأخيرة التي سقطت من دون أي ذنب سوى أنها صودف وجودها في المكان الذي جاء إليه القاتلان ليسقيا بالدم قلبهما المملوء كراهية.
ان سقوط هذه الفتاة أفجع اللبنانيين عشية عيد الفطر الأسبوع الماضي، وحوّل بهجة العيد في البقاع الأوسط ولدى رفيقات وأقارب مروى الى عزاء، كما أنه صدم كل البقاعيين الذين ما كانوا لينتظروا أن يسقط أولادهم بآلة القتل العبثية.
مروى كانت تنتمي الى جيل من البقاعيين الطامحين الى مستقبل أفضل لمنطقتهم، والتواقين للإصلاح الاجتماعي الذي يبدل واقع منطقتهم فينقيها من العادات السيئة، ويزيل كل شوائب الماضي.
لكن وقبل أن يجف دم مروى أسئلة كثيرة تطرح عن طريقة التعاطي مع هذه الجريمة اجتماعياً وعلى المستوى الرسمي، فإذا كان قتل طفلة بريئة ترك كل هذه الصدمة في لبنان، لماذا لم يتحرك كل تلامذة المدارس وهيئات المجتمع المدني والأجهزة الرسمية في وجه المجرمين (وكل من يسلك طريقهما)، صوناً لحياة أبنائهم وأطفالهم الذين كان يمكن أن يكون أحدهم في مكان مروى فيسقط هو برصاص القتلة..
إن تحركاً كهذا كفيل في إطلاق حملة توعية بين كل فئات المجتمع في البقاع وعموم المناطق اللبنانية لنبذ هذه العادة الجاهلية وكل من يسير بها.
إن دم هذه الطفلة ودمع أمها وأخويها هو في عنق كل اللبنانيين الذين يصمتون في لحظة الجريمة وبعدها.
الانتقاد/ العدد 1304 ـ 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
2008/10/07
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق