2008/05/29

يا سيدي الإمام.. اللبنانيون جميعهم يحفظون لك أياديك البيضاء

يقول الإمام السيد موسى الصدر في بعض خطبه: "نريد لبنان للإنسان لا للمحتكرين، من لا يحب الإنسان ولا يخدمه لا يؤمن بالله عز وجل، نحن مع المظلومين من كل الطوائف".‏
وفي كلام آخر له يتوجه به الى طلاب لبنان قائلاً: "أيها الطلاب، اقضوا ليلة في قرى الحدود الجنوبية، مع سكانها الفقراء، في الكرنتينا أو عكار أو جرود الهرمل، وعيشوا تجربة المحرومين".‏
كلامه هذا كان في مطلع السبعينيات، سبعينيات القرن العشرين قبل انفجار الأحداث في لبنان، وقبيل الاجتياح الصهيوني لجنوبه.‏
لقد أدرك السيد موسى الصدر منذ بداية عمله السياسي والديني وبعد معاينته الواقع اللبناني، مدى المعاناة التي يعيشها الشعب، وخطورة ما يتهدد مصيره داخلياً وخارجياً.‏
ففي الداخل على صعيد التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والطائفية، اتخذت الأزمة شكل انقسامات حادة، تغذيها مشاعر الفقر والحرمان والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين الفئات المحرومة والمسحوقة، وطبقة الاحتكاريين الذين استولوا على مقدرات البلاد وزادوا من جشعهم واستغلالهم لهذه الفئات المحرومة باستخدامهم كل الأساليب المتاحة لامتصاص دمائها، من دون رادعٍ أو ضمير، بالطرد والقمع والاضطهاد والاستغلال واستخدام السلطة بما تشكل من امتداد للطبقة الاحتكارية، يضاف الى ذلك تأجيج المشاعر الطائفية والعمل على تدمير بنية النقابات المطالبة بحقوق العمال والمستخدمين.‏
أما على صعيد الخطر الخارجي الذي كان يتهدد وحدة كيان لبنان وشعبه، فقد ازدادت الضغوط الغربية الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة وحليفتها "اسرائيل"، واشتد أوارها مستهدفة استقراره ووحدة شعبه وكيانه السياسي، تساندها مجموعة من العملاء الذين باعوا أنفسهم بثمن بخس تحت عنوان الدفاع عن لبنان.‏
أمام هذا الاستهداف الخطير الذي طاول لبنان أرضاً وشعباً، هب السيد موسى الصدر داعياً الناس بمختلف مذاهبهم وأديانهم الى ضرورة التدرب على السلاح لدفع الخطر المحدق بلبنان، محذراً من مغبة الرضوخ للأمر الواقع، قارناً واجب التدرب على السلاح بواجب الصلاة، مبدياً الاستعداد لحمل السلاح والدفاع عن حدود الوطن: "استعملوا أظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعاً"، "علينا سلوك الدفاع عن الكرامة"، "اذا التقيتم العدو فقاتلوه"، "الدفاع عن جنوب لبنان يكون بالمقاومة وحمل السلاح". ولم ينته موقف السيد عند هذا الحد، بل أعلن "ان الدفاع عن الوطن وحرية الإنسان هو الدفاع عن الله".‏
هذه المواقف الحازمة واللافتة للإمام السيد موسى الصدر، من الصراع الداخلي في لبنان ومن القضية الفلسطينية والعدو الصهيوني، والتي بلغت ذروتها بإعلانه الاستعداد للقيام بواجباتنا لأجل تحرير القدس وجميع الأراضي المقدسة، وقوله: "للقدس درب واحد هو البندقية"، "وإن شرف القدس يأبى ان تتحرر إلا على أيدي المؤمنين"، ثم أردف الإمام: "يجب ازالة الوجود الاسرائيلي من فلسطين"، و"الجنوب رأس الحرب ضد اسرائيل، وقاعدة لتحرير الأراضي المقدسة"، اضافة الى هذه المواقف التي أغضبت الأميركيين والصهاينة على حد سواء، تجلت مواقفه الحكيمة باعتصامه في مسجد الصفا في رأس النبع احتجاجاً على ضرب التعايش السلمي في لبنان من خلال إشعال الفتنة الطائفية على يد العدو الصهيوني. ولم يكتف بالاحتجاج والاعتصام، بل أطلق نداءه مدوياً لنقل الحرب الى وجه العدو الصهيوني، لنقل الأسلحة من الشياح والنبعة الى الجنوب، لأن الخطر يأتي من "اسرائيل"، نحن لا نقبل الظلم ولا قتل الآخرين "أي اللبنانيين".‏
هذا التحدي الذي أطلقه السيد موسى الصدر أرعب الدوائر الصهيونية والأميركية على السواء، فشعر هؤلاء بخطورة مواقفه على مشاريعهم الاستعمارية في المنطقة، وبدأ الأميركيون تحركاً سريعاً لمجابهة هذا التحدي الذي لم يخطر لهم على بال، فأوعزوا الى سفيرهم في لبنان جورج غودلي بأن يقوم بزيارة مجاملة واستطلاع للإمام، ورفع تقرير بذلك الى وزارة الخارجية الأميركية لتتخذ ما تراه مناسباً.‏
بعد زيارة السفير للإمام الصدر رفع تقريراً قال فيه: "إنه واحد من أكثر الأشخاص ان لم يكن الأكثر إثارة للإعجاب، من بين الذين اجتمعت بهم في لبنان، يتمتع بعيون حادة راسخة برغم أنه تكلم بأسلوب متجرد وهادئ. أستطيع ان أتخيله يحرض مجموعة من الرجال للجوء الى أي اجراء متطرف يرغبه، موهبته الخارقة واضحة، وإخلاصه الظاهر يبعث على الخوف...".‏
وما كاد التقرير يصل الى وزارة الخارجية الأميركية حتى أحيل الى الـCIA، فبدأت الاتصالات والمشاورات بين الاستخبارات الاميركية والاسرائيلية، ورسم الخطط للقضاء على المقاومة اللبنانية وزعيمها آنذاك الإمام الصدر. يقول مدير الاستخبارات الاميركية لينفلي إن تحركات السيد الصدر في لبنان لو استمرت ستنشئ حالة مقاومة قوية في لبنان لا نستطيع بعدها السيطرة على المنطقة، لذلك "سوف نرسل لعملائنا ونطلب منهم خطفه وإخفاءه". ويجيبه نائب رئيس الاستخبارات الاسرائيلية: إنها فكرة جيدة.‏
اثر الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978 وأمام المخاطر التي تهدد لبنان وتطورات الأوضاع الناتجة عن الاجتياح، قرر الإمام الصدر التحرك بسرعة لعقد مؤتمر قمة عربي بهدف عرض القضية اللبنانية وطلب المساعدة والدعم للمقاومة الباسلة ضد العدو الصهيوني، وبدأ جولته بسوريا يرافقه مساعداه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين، ومن دمشق توجه الى ليبيا لتلبية دعوة رسمية بتاريخ 25 آب 1978، وكانت هذه الزيارة من ضمن جولته، لكن أخبار السيد الصدر ورفيقيه انقطعت منذ ظهيرة 31 آب 1978، حيث شوهدوا آخر مرة أمام الفندق الذي كانوا يشغلونه، وبقي اختفاؤه مع رفيقيه حتى الآن لغزاً عالقاً يكتنفه الغموض، برغم الضغوط العربية والدولية واللبنانية لجلاء هذا اللغز المحير، وخاصة ان الدولة المضيفة عملت بكل وسائلها على إنكار وجوده فيها. ان السيد موسى الصدر هو أحد القادة القلائل الذين تركوا بصمات واضحة على المستوى اللبناني الداخلي وعلى المستوى الاقليمي والدولي، سواء على صعيد مقاومة العدو الاسرائيلي او على صعيد صيانة وحدة الشعب اللبناني وتعميق العيش المشترك، أو على الصعيد الديني والأعمال الخيرية والإنسانية التي ساهمت الى حدّ كبير بنهوض الطائفة الشيعية من الحيف اللاحق بها على كل الصعد. واللبنانيون جميعاً بطوائفهم ومذاهبهم كافة يحفظون لهذا القائد الفذ أياديه البيضاء في خدمة هذا الوطن ومجتمعه المكافح الذي أثبت أنه جدير بالحياة، وأنه بمقاومته الاسلامية الباسلة سيبقى الأمل الواعد على طريق تحرير فلسطين والقدس التي قال عنها: "يأبى شرف القدس ان تتحرر إلا على أيدي المؤمنين".‏
محمد علي المسمار‏
أيلول/ سبتمبر 2005‏

ليست هناك تعليقات:

شهداء المقاومة..منارات الهرمل


من صور الأصدقاء: جرود الهرمل

جارة العاصي ترحب بكم ضيوفاً.. على الخير دائماً

مسجد الوقف.. الحنين الى الأيام الأولى