أمير قانصوه
قد يكون لبنان بلد العجائب بامتياز، ونفق الفساد المظلم واحد من أهم هذه العجائب، اذا دخلت هذا النفق يستحيل أن تخرج منه.
في لبنان قلما تجد مواطناً أو مسؤولاً لا يحمل في جيبه عشرات الأسماء لمتهمين أو نماذج عن بعض الفساد المنظم في مؤسسات الدولة من كل مستوياتها، حتى انك قد تجد الكثير من المسؤولين ممن يتبرعون مرات عديدة لحماية الفاسدين في الإدارات العامة، أو حتى ممن يتعاملون مع هذه القطاعات بالتعهدات أو "التلزيمات" من القطاع الخاص. وهؤلاء هم أنفسهم من تصدح بأصواتهم الشاشات والمنابر، وهم يتشدقون بالعمل على مكافحة الفساد وفتح أبواب السجون للصوص!
بلد العجائب طبعاً، لأننا لم نرَ يوماً سارقاً يجلب مخفوراً الى المحاكمة، ولم نرَ يوماً مرتشياً يلاحَق كما تقتضي الأصول. وجلّ ما نراه كلام وكلام.. حتى الكلام والتوجهات قد تجد من القوى السياسية من يسعى الى قمعها وإسكات الأفواه التي تنطق بها.
كلنا يذكر عندما ذهبت حكومة الرئيس رفيق الحريري الى التطهير الإداري عام 1992، فهي أخذت بطريقها الصالح والطالح! وعندما أوقفت حكومة الرئيس الحص عام 1999 بعض المدراء من الفئة الأولى، جاء فيما بعد من يخرجهم ببراءة! وبغض النظر عن حقيقة براءتهم أو عدمها، فإن هناك من يقول ان الاتهام حمل في بعض جوانبه خلفيات سياسية، والبعض الآخر يقول ان تبرئتهم كانت أيضاً لدواعٍ سياسية. وربما لا يحدث مثل هذا الشيء في غير بلد العجائب.. اتهام بالجملة وبراءة بالجملة!
ها هي حكومة الوحدة الوطنية التي استبشر بها الناس خيراً، وبأنها القادرة ـ لما تحوزه من إجماع ـ على وضع حد للمفسدين، لكن ما نراه أن الاتهامات بالفساد وحمايته صارت موضة يومية بين أطرافها، حتى ممن هم في الصف الواحد، كما في اتهام الوزير غازي العريضي للهيئة العليا للإغاثة.. وحتى بين بعض الجهات السياسية المشاركة فيها. فمثلاً العماد ميشال عون يطالب بملاحقة الفاسدين، فيجيء الرد عليه من سمير جعجع، مع أن العماد عون لم يذكر اسمه، فلماذا تنطح هو للرد عليه؟!
مكافحة الفساد هي حاجة وطنية لبناء الدولة السوية، قبل موسم الانتخابات وفي كل المواسم، لكن ما العمل ما دام بعض أهل السياسة من المرشحين لحكم البلاد (ومكافحة الفساد)، أهم ما في برنامجهم الانتخابي صفائح الزيت وصناديق التموين ومشاريع ذات صلة بجذب أصوات الناخبين؟!
هكذا يأتي الفساد بالأصوات، بينما مغارة جعيتا لتصبح من عجائب الدنيا تحتاج الى "حملة تصويت".
لهذا السبب ـ ولغيره طبعاً ـ نحن في بلد العجائب!
الانتقاد/ العدد 1315 ـ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
2008/11/15
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق